ستٌ وثمانونَ سنةً وهي غائبة, نتهجاها في صباحات القرنفل , وفي أموس الياسمين , نتدلى إليها كأطيار الشعر والأحلام , ونؤؤب الى العتمات والدياجير , نفرُشُها بآمال السنديان ونجيع البرقوق , ونُشعلُ ذؤاباتٍ مشبعةٍ بزيتِ الزّيتون وبسورةِ " الفجر" , ثُمّ نغسِلُ الهواجس بسورةِ " الفِتح" , وندعوهُ في عُلاه المجيد أن يكتبنا من النّاصرينَ المؤمنين , والصابرين حتى الفجرِ الأكيد , وحتى الرّمق الأخير....!....
ستٌ وثمانون سنة , ونحنُ نبحثُ عنها , نتقصى أثرها كالأيتام , ونتحرّى شميمها كالمصدورينَ النّاشدينَ أعذب الهواء , وأنقى الصفاء , وألذّ النّقاء وأحلاه .....!..... هي أمنا وملحنا وخُبزُنا , وذاك اللّبنُ الذي يُعَزّرُ أعظمنا بالكلس والشّمس لتقوى على الفعل والشّموخ .......!
وهي بدايتنا التي لا "قبل " لنا من دونها ,
وهي ديمومتنا التي لا "بعد" لنا إن لم تأتِ ,
هي أضاميم الشّذا والشّوق , وأحزمة الأنوار والرّؤى , من دونها نحن ضائعونَ حدّ الضنكِ والشّقاء , وبلا عينيها يقتلنا الدّوار والآلام والعَمَاء , هي كل الفصول التي تتحف حضورنا العضوي بالفحوى والمعنى , وبالمبنى الأصيل الذي يسمو بالغرائز والحاجات الى مصاف السعادة والبهاء !!.....
ستةٌ وثمانون ضياعاً يُخاصرها ستةٌ وثمانون تيهاً , وعطش كأنه سرمدي الهالة والسمات , بل كأنه الزُّؤامُ ومرُّ الممات ,
فانظروا أمر ربكم تنجوا , وتنقلبوا بعد لأواءَ الى هناءٍ ونعماء , وبعد قلق وهُجاسٍ وضجر الى أمَنَةٍ وآطمئنانٍ وتحاليق وقمر !..,
أخرجوا نفوسكم من الخُواف والرُهاب , فلا موتٌ يأتي قبل انتهاء الأجل , ولا انتقال الى البرزخ إلا في الزمان والمكان المكتوبين عند مُكوِّن الأكوان , صاحب الأمر والنهي , العزيز , المتعالي , الجَّبار والحنَّان !.....
ستٌ وثمانون سنة والأعمار ضياع , يُسربلها ضياع , ويخنقها ضياع , وثمة قناع أخرقُ يُعمي بصائرنا عن السَّداد والرَّشاد , فأميطوا عنها القناع , وهُبُّوا الى تالد المجد والسؤدد , الى زمن النُّور والفتوح والقلاع !!!...... , هي وحدها أمنا , وذاك العرين الذي يتنضَّرُ صفاء وعُلُوّاً بسعينا إليها , فلا تخرمنَّ مروءتنا بالتقاعس عن فجرها وليلكها , ولا يذهبنَّ عِزُّها بعد الإلتحام بفكرتها والتضحية لأجلها ......!!
هي تستحق منا النهى والأكباد , وتستأهل البذل والثبات والاستشهاد ......!
هي معنى وجودنا , والسبيل الى تحقيق عبوديتنا للخالق الدَّيَّان ........!
ستٌ وثمانون سنة ونحن نتقلب في الضَّعة والهوان , ممزقين الى بضع وخمسين مِزقة , فوق كل واحدة منها عميل , مأجور وجبان , فمتى نخرج من الوهن والهوان , نصعد الى تلك الظلال البنفسجية , حيث مراقي المجد والأمان والحنان ...!! متى .... متى ...... متى....؟؟؟!